المواطنة
مفهوم المواطنة :
المواطنة نسبة إلى الوطن وهو مولد الإنسان والبلد الذي هو فيه، ويتسع معنى المواطنة ليتمثل التعلق بالبلد والانتماء إلى ثراته التاريخي ولغته وعاداته.
يشكل مفهوم المواطنة في سياق حركة المجتمع وتحولاته، وفي صلب هده الحركة تنسج العلاقات وتتبادل المنافع وتخلق الحاجات وتبرز الحقوق وتتجلى الواجبات والمسؤوليات، ومن تفعل كل هده العناصر يتولد موروث مشترك من المبادئ والقيم والعادات والسلوكات، يسهم في تشكيل شخصية المواطن ويمنحها خصائص تميزها عن غيرها. وبهذا يصبح الموروث المشترك حماية وأمانا للوطن والمواطن.
فالمواطنة حقوق وواجبات وهي أداة لبناء مواطن قادر على العيش بسلام وتسامح مع غيره على أساس المساواة وتكافؤ الفرص والعدل، قصد المساهمة في بناء وتنمية الوطن والحفاظ على العيش المشترك فيه، ولمفهوم المواطنة أبعاد متعددة تتكامل و تترابط في تناسق تام:
* بعد قانوني يتطلب تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين استنادا إلى العقد اجتماعي يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع.
* بعد اقتصادي اجتماعي يستهدف إشباع الحاجيات المادية الأساسية للبشر ويحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.
* بعد ثقافي حضاري يعنى بالجوانب الروحية والنفسية والمعنوية للأفراد والجماعات على أساس احترام خصوصية الهوية الثقافية والحضارية ويرفض محاولات الاستيعاب والتهميش والتنميط.
وفي كلمة واحدة يمكن اعتبار المواطنة كمجموعة من القيم والنواضم لتدبير الفضاء العمومي المشترك ويمكن تحديد أهم تجليات المواطنة في أربعة نواضم:
1- الانتماء: أي شعور الإنسان بالانتماء إلى مجموعة بشرية ما وفي مكان ما (الوطن) على اختلاف تنوعه العرقي والديني والمذهبي، مما يجعل الإنسان يتمثل ويتبنى ويندمج مع خصوصيات وقيم هده المجموعة.
2 - الحقوق: التمتع بحقوق المواطنة الخاصة والعامة كالحق في الأمن والسلامة والصحة والتعليم والعمل والخدمات الأساسية العمومية وحرية التنقل والتعبير والمشاركة السياسية ...
3 - الواجبات: كاحترام النظام العام والحفاظ على الممتلكات العمومية والدفاع عن الوطن والتكافل والوحدة مع المواطنين والمساهمة في بناء و ازدهار الوطن.
4- المشاركة في الفضاء العام: المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية (الانتخاب والترشيح) وتدبير المؤسسات العمومية والمشاركة في كل ما يهم تدبير ومصير الوطن.
التربية على المواطنة:
إن المواطنة محضنا للهوية وللخصوصيات الحضارية تستسلم وضعها في محطيها الإقليمي والدولي عن طريق الانفتاح على كل الأوطان، والاطلاع على تجارب الآخرين، فالانغلاق يؤدي إلى الجمود والاضمحلال والاندماج والتلاقح المتزن يؤدي إلى التطور والازدهار وغاية المواطنة على المواطنة إن تمكن الإنسان من آليات التنمية الذاتية والانفتاح على المحيط وقد لحض صاحب الجلالة في خطابه بتطوان 20 غشت 2004 كل هذه الأبعاد بقوله: "إن المواطنة التي نريدها لا ينبغي أن نختزل في مجرد التوفر التشكيلي على بطاقة تعريف أو جواز سفر. وإنما يجب أن تجسد في الغيرة على الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه والمشاركة الفعالة في مختلف أوراش التنمية التي نتمناها وطنية كانت أو جهوية أو محلية وتوسيع إشعاعه العالمي".
ومن مزايا التربية على المواطنة أنها تعيد التوازن بين ما هو محلي وما هو كوني للتخفيف من وطأة قيم العولمة وما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافات المحلية والعالمية وما صاحب ذلك من أثار سلبية. وذلك للمحافظة على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية بشكل يضمن الانتماء الذاتي والحضاري للمواطن.
وتتجلى أهمية التربية على المواطنة، بالنسبة في المغرب، في كونها ترسخ الهوية المغربية الإسلامية والحضارية بمختلف روافدها في وجدان المواطن، كما ترسخ حب المواطن والتمسك بمقدساته تعزيز الرغبة في خدمته وفي تقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع المغربي.
ولعل من المفيد التذكير أن ممارسة المواطنة ليست مرهونة بالرشد القانوني الذي يخول المشاركة في الحياة السياسية وخاصة العمليات الانتخابية بل إن لكل مرحلة، بدءا من السنوات الأولى للطفل، أشكال وصيغ لشكل الممارسة من قبيل التحسيس ووضع تصورات عملية حول سلوكات يومية مستكيفة مع كل فئة عمرية من شانه أن يحدث مع مرور الزمن وتضافر جهود أطراف أخرى، ذلك التراكم الذي يغرس قيم المواطنة في تضافر الفكر والوجدان ويجعل بلورتها وتفعيلها أمرا طبيعيا ودائما.